غول شره يسمى القانون: ( محمد ديب)

   Un Monstre Vorace Nommé Loi - Mohammed Dib

 

         هكـــذا قال كومندار لعمــــر:

" منذ مائة سنة ( ربما أكثر ربما أقل) لم يكن  أحد هنا البتة، ذلك أن "بني بوبلان" لم يكن له وجود. اسأل شيوخ القرية يقولوا لك إنهم جاؤوا إلى هذا المكان يستقرون فيه واحدا بعد واحد. أما قبل ذلك فكان للفلاحين حقول شعير، وبساتين تين، وغياض ذرة، وجنائن خضر، وكروم زيتون،  ثم انتزع منهم هذا كله. منذ تلك اللحظة أصبح يقال عن الفلاح إنه كسول، وإنه يترك الأراضي للقصب والعناب ونخيل المقل، وإنه عاجز عن صنع أي شيء نظيف منتج! وهذه مزايا الحضارة يا بني! آه ما كان أحذقهم في تجريد هؤلاء الفلاحين من كل شيء في سبيل مصلحتهم وفي سبيل الحضارة!

كان هناك غول شره لا تراه الأعين، ما ينفك يبتلع بين فكيه الفاغرين أشلاء كثيرة من هذه الأرض التي سقوها بعرقهم وبدمائهم، يبتلعها منهم على ذهول وغفلة، من حيث لا يحتسبون. إنه "القانون" أينما توجهوا صفعهم " القانون" وهم دائما مذنبون في نظر " القانون". لوائح" القانون" تحاصرهم من كل جهة، وتعترضهم في كل مناسبة. " القانون" يشق طريقا يقطع مزارعهم كما يقطع الدولاب أجسامهم.

القانون يحرم عليهم امتلاك أراضيهم. القانون تبدل، هكذا يقولون لهم، هناك قانون جديد، ألغيت سندات التمليك القديمة، لا يرث أحد أرضا عن أسلافه، الحبس صودرت، وكل أراضي المشاع، ثم قالوا للفلاحين: من كانت له شكوى فليراحع المحاكم. هناك محاكم، المحاكم تنصفكم، يكفي أن ترفعوا قضية. القانون يحمي حقوقكم إذا كانت لكم حقوق، القانون الجديد الذي صدر بالعدل والمساواة بين الجميع يدافع عنكم إذا اقتضى الأمر ذلك. وأجاب أولئك الرجال الطيبون: ولكن كيف نلجأ إلى القانون، والقانون هو الذي يجردنا من أملاكنا؟ إن الذين صدقوا ذلك الكلام عانوا من الشقاء مالا يوصف ولا يحد، فقدوا البقية الباقية من أملاكهم. بعضهم فقد عقله كذلك. أصبح يكفيهم الآن أن يجدوا مكانا يستلقون فيه على مقربة من السهول الخصبة المروية، فإذا وجدوا هذا المكان تلبثوا فيه ولم يمضوا لأبعد من ذلك والذين يستطيعون أن يعملوا في أقرب مزرعة من مزارع المستوطنين الفرنسيين، يشغلون المغاور القديمة التي في الجبل، بينما الطامحون منهم يبنون لأنفسهم أكواخا من طين وقش، وهذا هو " بني بوبلان" الأعلى، هكذا تكون يا بني، وهكذا حل في الأرض ناس محل ناس، هكذا طرد أصحاب هذه الأرض من أرضهم وأصبحوا غرباء عنها"

الثلاثية: الحريق ص 229

الأسئــلة:

 1- ما الممارسات الاستعمارية التي يتحدث عنها النص؟ وما الفرق بينها وبين الممارسات المذكورة في نص الطاهر وطار؟ وأيهما أخطر في نظرك؟ علل إجابتك.

 2- لماذا شبه الكاتب القانون بالغول الشره؟

 3- ما الفرق بين القوانين الفرنسية في فرنسا، والقوانين الفرنسية في الجزائر؟

 4- ما الذي حققته القوانين الفرنسية في الجزائر، وقد ادعت توفير العدل والمساواة بين الجميع؟

5- ما الغرض من النص؟

6- هل نجح الكاتب في عرض موضوعه؟ وما الذي يلفت نظرك في أسلوبه؟ دعم إجابتك بشواهد من النص.

7-  ما العواطف التي يثيرها فيك النص؟

 

من كتاب "مواضيع الحرية وحقوق الإنسان"                      

الفصل الثالث: مقتطفات من مواضيع الحريّة